جعفر عباس يكتب .. هل ينسف الزواج الأخلاق (2)
تناولت في مقالي هنا بالأمس قرار إحدى وزارات التربية العربية، بفصل نحو ستين طالبة من الدراسة لأنهن متزوجات، من منطلق أنهن سيفسدن أخلاق زميلاتهن غير المتزوجات. وكيف يكون ذلك؟ ومنذ متى صار الزواج فيروسا أخلاقيا مدمرا؟ قالوا إن الطالبات المتزوجات سيحدثن غير المتزوجات من زميلات الدراسة بتجاربهن عن علاقات الفراش الزوجية.
وتساءلت بدوري: ولماذا نشيل فقط هم الطالبات ولا نمنع الآنسات في أماكن السكن والعمل من مخالطة المتزوجات؟ ولماذا نسمح باختلاط السيدات المتزوجات في بيئات العمل بالآنسات؟ والشاهد هو أن أمور التعليم والخدمة المدنية في بلداننا كثيرا ما تكون محكومة بلوائح تعيق التعليم والعمل، وتظل سارية لـ «أن هذا ما وجدنا آباءنا عليه» – وهذا هو منطق الجاهلية الأولى
.قبل أيام قليلة نشرت الصحف حكاية رجل من بلد آسيوي فقير تم قبوله في المدرسة الابتدائية وهو فوق الثمانين لأنه يحلم بمواصلة دراسته كي يصبح طبيبا بيطريا، اقرأ الجملة الأخيرة مجددا: فوق الثمانين ويريد دخول المدرسة الابتدائية –أكرر الابتدائية– ومواصلة تعليمه حتى المرحلة الجامعية، يعني يبقى على كراسي الدراسة لـ17 سنة، ولو كان فالحا وناجحا فسيحقق حلمه وعمره يقترب مِن، أو يناهز المائة.وقبلها تناقلت الصحف حكاية أسترالي نال درجة الدكتوراه وهو في الثالثة والتسعين، ونقرأ بين الحين والآخر عن فتى أو فتاة دخلت الجامعة وعمرها 11 سنة!! مثل هذه الأشياء لا تحدث في بلداننا، لأن لوائحنا العرجاء الخرقاء تعلو ولا يعلى عليها، يقول لك موظف عابس:
اللوائح تقول كذا وكذا، فتحسب أن اللوائح تلك أحكام سماوية قطعية لا سبيل للالتفاف عليها أو تخطيها لمصلحة طرف أو آخر، ولدك أو بنتك من مواليد التاسع من يونيو من ذات عام؟ وأثبت خلال مرحلة الروضة أنه/ أنها نابغة بمعنى الكلمة، وتذهب للتسجيل في المدرسة فيقال لك: فوت علينا بعد سنة لأننا نقبل فقط مواليد الثامن من يونيو!! وتفوت عليهم بعد عام ويقولون لك إن طفلك أكبر من السن المسموح به!! عندك بنت أو ولد عبقري ويريد أن يجلس لامتحان الشهادة الثانوية وعمره 14 سنة، أي دون أن يلتحق بالمرحلة الثانوية؟ شوف لك بلدا ثانية لأن اللوائح صريحة ولا تسمح بتخطي المراحل!! ولما ترجع منها لازم تكون كل الشهادات موثقة من وزارة الداخلية والخارجية والمالية والكهرباء.تم تزويج صغرى أخواتي وهي في الصف الثاني من المرحلة المتوسطة، وعارضت زواجها ليس لأنه يفسد الأخلاق،
ولكن لأنها كانت في تقديري صغيرة، وضاعت معارضتي سدى لأنني أيضاً كنت صغيراً، ولكن وبمجرد تخرجي في الجامعة وبعد أن صارت لي «كلمة»، شجعتها على مواصلة تعليمها فنالت الشهادة الثانوية وعندها ثلاثة عيال، ونالت الشهادة الجامعية وبنتها الكبرى عندها ولد، أي بعد أن صارت جدة، ولم ألحظ أن وجودها وهي متزوجة وأم عيال وسط بنات في سن بناتها أدى إلى خلخلة القيم، بل بالعكس تحولت خلال سنين دراستها إلى دادة لزميلاتها تكفكف دمعة هذه، وتطيب خاطر تلك،..
بعد أن صرن يلجأن إليها بمشكلاتهن المدرسية بل والعائلية!!وقد عملت مدرساً في المرحلة الثانوية في مدارس البنات بالسودان، وكانت العديدات من طالباتي متزوجات، وكن مثالاً للانضباط والالتزام، وفي عموم أنحاء السودان يدير اتحاد المعلمين والنقابات المنضوية تحته، المدارس الحكومية ليلاً لحسابها الخاص، وفي تلك المدارس المسائية كان أكثر من نصف طالباتي متزوجات، والغرض من التجربة هو فتح الفرص أمام من فاتهن قطار التعليم النظامي، وفي ظل وجود نسبة عالية من المتزوجات في صفوف «مدارس اتحاد المعلمين»، كان التدريس بتلك المدارس أكثر سهولة من التدريس في الصفوف التي معظم طالباتها آنسات!!
والخلاصة هي أن تجربتي الشخصية تفيد بأن الزواج غير ضار بالأخلاق، بل أجزم بأن «أخلاقي» كمتزوج أفضل منها عندما كنت خالي طرف!!