في بادرة تبعث الأمل وسط رماد الحرب، عادت عجلات بعض مصانع الأدوية في الخرطوم للدوران مجددًا، بعد أشهر طويلة من الشلل الكامل الذي أصاب القطاع بفعل النزاع المسلح. هذه العودة وُصفت من قبل مراقبين بأنها بداية مشجعة لانتعاش تدريجي في المنظومة الصحية بالمناطق المحررة.
وكشف الدكتور علي بابكر، الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم، عن بدء التشغيل الجزئي لعدد من المصانع التي تنتج الأدوية الحيوية، مؤكدًا أن هذه الخطوة تأتي في إطار خطة طوارئ لاستعادة سلاسل الإمداد المحلي والتقليل من الاعتماد على الاستيراد الخارجي.
وأشار بابكر، عقب جولة ميدانية تفقد خلالها جاهزية المصانع، إلى أن بعض المنشآت لا تزال تحتفظ ببنيتها التقنية رغم الأضرار، لافتًا إلى تنسيق يجري مع وزارات الصحة والمالية لتجاوز التحديات اللوجستية التي تعترض طريق الإنتاج الكامل.
وأوضح أن الأولوية في المرحلة الحالية تتركز على إنتاج الأدوية الأكثر طلبًا في المستشفيات، مثل المضادات الحيوية ومحاليل الإنعاش الوريدي، في وقت يجري فيه العمل على إعادة تأهيل خطوط الإنتاج المتضررة وضمان تدفق المواد الخام.
وكانت الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 قد تسببت في شلل شبه تام لمعظم مصانع الأدوية في البلاد، جراء انهيار الأمن وتعطّل شبكات الإمداد، وهو ما خلف أزمة دوائية خانقة أربكت المشهد الصحي برمته.
وتزامنًا مع استئناف بعض خطوط الإنتاج، تنشط مبادرات محلية يقودها مهنيون ومتطوعون لتوفير الدعم الفني والمواد التشغيلية للمصانع والمراكز الصحية، لا سيما في الخرطوم والجزيرة، وسط تحديات كبيرة تتطلب تضافر الجهود.
ويُعَد قطاع الأدوية من أكثر القطاعات تأثرًا بالحرب نظرًا لاعتماده الكبير على المواد المستوردة والتقنيات المرتبطة بالإمداد العالمي، ما يجعل خيار التصنيع المحلي ضرورة استراتيجية، بحسب تقديرات الجهات الصحية.
ويرى خبراء أن هذه العودة، وإن كانت محدودة، قد تشكل نقطة تحول في مشهد الدواء المتأزم، وتسهم في سد الفجوة العلاجية خاصة في المناطق التي بدأت تستعيد هدوءها تدريجيًا