صفاء الفحل تكتب: واقع مرير في ظل تصعيد الجرائم
تصعيد الجرائم الميدانية: مليشيا الدعم السريع تواصل تدمير معسكر زمزم

مقالات _ امواج نيوز _ يتكرر المشهد مرة أخرى، ولكن هذه المرة من زاوية أخرى، حيث انسحب الجيش والقوات المشتركة من معسكر “زمزم”، ليتم استلامه من قبل مليشيا الدعم السريع،
ما يعيد إحياء نغمة “لقيت المعاملة كيف” في قلب هذا الصراع المستمر. تتحول نغمة “أمن يا جن” إلى “جاهزية يا حسم”، ويبدأ مسلسل جديد من تصفية المدنيين الأبرياء، الذين ليس لهم ذنب سوى أنهم وجدوا أنفسهم في مرمى نيران هذه الحرب العبثية.
وفي ظل هذا الواقع الأليم، تتوالى الوسائط الكيزانية في نشر مقاطع الجرائم والتصفيات الميدانية التي تتم بلا محاكمات أو أي وازع أخلاقي أو ديني، متخذة من هذه الجرائم وسيلة لاستدرار عاطفة المجتمع الدولي في محاولة لإضفاء شرعية زائفة على ممارساتهم. هكذا يتم توزيع “غسيلنا الوسخ” أو قذارة حربنا اللا أخلاقية في كل أنحاء العالم، ليتحول الوضع إلى حالة كارثية لا يمكن السكوت عنها.
وفيما يتعلق بسقوط معسكر “زمزم” أو “الفاشر”، لم يكن الأمر مفاجئًا كما حاول البعض تصويره. فقد نوهنا في العديد من المقالات السابقة أن مليشيا الدعم السريع، بعد هزيمتها أو انسحابها من الخرطوم والجزيرة، لن تضطر للبحث عن مأوى في “الصحراء الكبرى”، بل ستتوجه مباشرة للاستيلاء على آخر معاقل غرب البلاد التي لم تسقط بعد تحت سيطرتها: “الفاشر”. ومع ذلك، فقد ساهمت الهتافات الكاذبة من الكتائب الإسلامية في تشويش عقول العامة وتغبيش الصورة حتى لا يفكر أحد في تبني الحلول السلمية وإنهاء هذه الحرب.
ونحن إذ ندين ونستنكر الجرائم المستمرة التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع والمليشيات الإسلامية المتحالفة معها، لا يمكن أن نغفل حقيقة أن الجيش أيضًا في موقف صعب، حيث نثق أن هناك شرفاء بين صفوفه لا حول لهم ولا قوة في ظل تداخل السياسة العسكرية وحالة الفوضى القائمة. نكرر إدانة عمليات القتل خارج نطاق القانون التي تجري داخل معسكر “زمزم”، والتي تستهدف الأبرياء من المدنيين، مطالبين المليشيات بوقف هذا المسلسل الدموي وفتح مسارات آمنة لهؤلاء المدنيين لتسحبهم من دائرة العنف وتنقلهم إلى أماكن أكثر أمانًا.
إن نداءنا اليوم إلى الجنرالات من كافة الأطراف،
الذين في أيديهم القدرة على وقف هذه المأساة، هو أن يتوقفوا عن هذه الحرب وأن يجلسوا إلى مائدة الحوار. نطالبهم بالإعلان عن وقف عام للقتال في كافة المحاور، والبدء في عملية سياسية شاملة، هدفها تشكيل حكومة مدنية تتكون من كفاءات غير حزبية أو عسكرية، تضم شخصيات لم تكن جزءًا من إشعال هذه الحرب. يجب أن تكون هذه العملية تحت إشراف دولي من دول الوساطة، التي يتعين عليها تحديد مهام واضحة لإعادة الإعمار وإنشاء المفوضيات اللازمة لتشكيل مسار سياسي موسع يضمن مشاركة جميع الأطياف السياسية، بما في ذلك القوات المسلحة والحركات المسلحة، مع تحقيق التوازن اللازم.
إن السودان اليوم يقف على حافة الهاوية، في مفترق طرق قد يؤدي إلى تشظي البلاد ودخولها في حرب أهلية شاملة. الجوع والمجاعة يهددان المستقبل إذا لم نتصرف بحكمة، ونطلق صوت العقل بعيدًا عن الأنانية وحب السلطة التي يتعامل بها الجميع. الوعي الثوري الذي اجتاح الشوارع لن يتوقف، والقصاص سيظل راية مرفوعة، ولها زمانها.
في الختام، نحن لا ننسى شهداءنا، الذين قدموا أرواحهم فداءً للحرية، وستظل الرحمة والخلود لهم، وسيبقى نضالنا مستمرًا حتى يعود السودان إلى مساره الصحيح، حيث الكرامة والعدالة والسلام.