Ultimate magazine theme for WordPress.

الجيش يعلق نشاط شركاته بمجال التعدين

0

في خطوة مفاجئة تحمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة، أصدر الجيش السوداني قرارًا بتجميد أنشطة عدد من الشركات التابعة له في قطاعات حيوية تشمل التعدين والإنشاءات والطباعة، في وقت يشهد فيه السودان تحولًا مضطربًا منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.

 

مصدر عسكري مطلع كشف لـ«سودان تربيون» أن القرار شمل شركات تتبع لمنظومة الصناعات الدفاعية، من بينها مطبعة حديثة تقع بمدينة الخرطوم بحري، بالإضافة إلى شركتين تعملان في قطاع التعدين بولاية نهر النيل. كما طال التعليق شركات أخرى تتبع لجهازي الأمن والشرطة، وتنشط في مجالات الاستيراد والوقود والدواء.

 

تراجع جزئي تحت ضغط التحولات السياسية

 

القرار يأتي في سياق ما وصفه المصدر بـ”الاستجابة للتطورات الجارية في البلاد”، في إشارة إلى مطالب داخلية وخارجية متزايدة تدعو إلى تقليص نفوذ الجيش في الاقتصاد الوطني، وهي مطالب طالما طُرحت دون تنفيذ فعلي على أرض الواقع. ومع ذلك، أكد المصدر أن المهام الهندسية للجيش ستستمر، لاسيما في مشاريع البنية التحتية الكبرى كإعادة تأهيل مطار الخرطوم ومحطات المياه.

 

منظومة اقتصادية موازية تدر المليارات

 

ووفقًا لتقارير دولية، تدير المؤسسة العسكرية السودانية عبر منظومة الصناعات الدفاعية أكثر من 300 شركة تعمل في مجالات تمتد من التعدين والبناء، إلى الصناعات الدوائية والغذائية، وصولًا إلى القطاعات المصرفية والاتصالات والطيران. وقدّرت عائدات هذه المنظومة بما يفوق ملياري دولار سنويًا، مما يجعلها من أكبر اللاعبين الاقتصاديين غير المدنيين في البلاد.

 

شركة «جياد الصناعية» تُمثّل أحد أبرز أذرع الجيش الاقتصادية، وتضم تحت مظلتها مصانع تنتج منتجات مدنية وعسكرية على حد سواء، وتتمتع بنفوذ واسع في سلاسل التوريد الوطنية.

 

عقوبات دولية وأجندات خفية

 

القرار يتزامن مع تصاعد الضغوط الغربية على المؤسسة العسكرية، إذ فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي حزمة عقوبات استهدفت مؤسسات وأفرادًا مرتبطين مباشرة بتمويل الأنشطة الحربية. وضمن تلك العقوبات، تم إدراج منظومة الصناعات الدفاعية وشركات مثل “سودان ماستر تكنولوجي” على القوائم السوداء.

 

تشير تقارير أممية وبحوث منشورة – أبرزها للباحث جان باتيست غالوبان – إلى أن هذه الشركات العسكرية تشكل العمود الفقري لاقتصاد ظل نشط في تصدير الذهب والصمغ العربي والجلود، كما تحتكر حصة كبيرة من سوق استيراد الأدوية والقمح.

 

محاولات إصلاح أم إعادة تموضع؟

 

رغم الاتفاق المدني العسكري الموقع في 2021 لنقل تبعية الشركات العسكرية إلى وزارة المالية، لم تُنفذ تلك الخطوة فعليًا، بل استغلت القوات المسلحة وقوات الدعم السريع هشاشة المرحلة الانتقالية لتعزيز وجودهما في السوق والاستثمار العقاري.

 

ويُنظر إلى قرار الجيش بتعليق أنشطة بعض شركاته على أنه محاولة “لإعادة تموضع تكتيكي” أمام المجتمع الدولي، في ظل حديث متزايد عن تسوية سياسية قادمة، لكنه لا يرقى بعد إلى إصلاح هيكلي حقيقي ما لم يترافق مع خطوات ملموسة تضمن خضوع هذه الشركات للرقابة المدنية الكاملة.

 

رسالة داخلية وخارجية مزدوجة

 

يبقى قرار الجيش بتجميد بعض أنشطته الاقتصادية مؤشرًا على حجم التعقيد والتشابك بين المال والسلطة في السودان، كما يعكس في الوقت ذاته استجابة جزئية – وربما تكتيكية – لضغوط خارجية وإشارات داخلية تطالب بفصل المؤسسة العسكرية عن الاقتصاد الوطني.

 

لكن الأعين لا تزال ترصد ما إذا كانت هذه الخطوة تمهيدًا لتحوّل جذري، أم مجرد إجراء مؤقت ضمن لعبة النفوذ والشرعية التي تسيطر على المشهد السوداني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.