التناقض الصارخ.. كيف حاول حميدتي تسويق حكومة التأسيس؟
التناقض الصارخ.. كيف حاول حميدتي تسويق حكومة التأسيس؟
بقلم: عادل الباز
في مساء السبت الماضي، شهدت مدينة نيالا حدثًا أثار جدلاً واسعًا عندما أعلن قائد قوات الدعم السريع عن تشكيل ما سُمِّي بـ”حكومة التأسيس”، متعهداً في خطاب مطول بتحقيق الوحدة والعدالة والديمقراطية والسلام. غير أن الخطاب الذي أراد له أن يكون بمثابة برنامج وطني، بدا في نظر الكثيرين أقرب إلى مسرحية هزلية تعكس التناقض الصارخ بين ما يُقال وما يجري على أرض الواقع. فقد تحدث الرجل عن إنهاء الشمولية والدكتاتورية، رغم أنه صعد إلى موقعه بفضل الأنظمة الشمولية، ولا يزال يقود مليشيا متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة في دارفور والخرطوم وغيرها من المدن.
ومن أبرز النقاط التي أثارت السخرية، حديثه عن تحقيق العدالة التاريخية والمحاسبة على الانتهاكات منذ الاستقلال، بينما ترتبط قواته بجرائم حرب وإبادة في السنوات الأخيرة، جعلت المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية تتهمها بارتكاب أبشع الانتهاكات بحق المدنيين. كما وعد بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية وحماية القوافل، في الوقت الذي تُحاصر فيه قواته مدنًا مثل الفاشر والدلنج وكادوقلي، ويُمنع عنها الغذاء والدواء، إضافة إلى تقارير موثقة عن استهداف قوافل إغاثية ونهب مخازن تابعة للأمم المتحدة، الأمر الذي جعل هذه التعهدات محل تشكيك واسع.
ولم يخلُ الخطاب من عبارات براقة حول الالتزام بالمواثيق الدولية وحسن الجوار، لكنه جاء متناقضًا مع رفض قوات الدعم السريع الالتزام باتفاقيات موقعة، أبرزها اتفاق جدة الذي نص على حماية المدنيين وإخلاء الأحياء السكنية والمستشفيات. أما أكثر ما أثار الانتقادات فهو إعلانه أن تشكيل الحكومة الجديدة يهدف إلى تحقيق السلام وإنهاء معاناة السودانيين، في حين أن الحرب التي يقودها الدعم السريع تُعد من أكثر الحروب دموية في تاريخ البلاد، وما خلفته من حصار وتشريد ومعاناة إنسانية يفضح أي حديث عن سلام.
خطاب نيالا أعاد للأذهان ما يمكن وصفه بـ”سردية إبليس”، إذ جاء مليئًا بالوعود والعبارات المنمقة التي تتناقض مع الواقع المأساوي، وتحوّل في نظر كثيرين إلى مادة للتندر والسخرية، لأنه يَعِد بالسلام وهو يقود حربًا، ويتحدث عن العدالة وهو غارق في الانتهاكات، ويرفع شعارات المدنية والديمقراطية من على دبابات المليشيا. وبين ما قيل وما يُمارس فعليًا، تتجلى مأساة السودان في صورة واضحة: وعود تتناثر على المنابر، وواقع يغرق في الدماء والدموع.
