هيثم الفضل يكتب ..جمهورية الارتجال

0

أمواج نيوز :

خطابات الزعماء والنافذين في المنابر الرسمية ، على المستوى البروتوكولي يجب أن تعِّدها جهات إختصاص من نواحي لغوية ودبلوماسية وسياسية ، والتي يجب ان تتوفَّر لديها القدرة على صياغة المُفردات والجُمل وتحديد مدلولاتها وما يُراد منها من رسائل مباشرة أو غير مباشرة ، هكذا تعمل الدول التي تحرص على (مهنية) الخطاب السياسي مثله مثل حرصها على أضخم ما بين يديها من ملفات إستراتيجية ، إذ أن الخطأ أو الإلتباس الذي يمكن أن يدفع لتفسير كلمة أو جُملة في خطاب سياسي لقائد أو نافذ مهم ، يمكن أن تندلع بعد إلقائه الحروب وتنهار تحت عباراته المصالح الوطنية والإقليمية والدولية ، أما عندنا نحن أهل جمهورية (الإرتجال) العشوائي في إطلاق الكلام على عواهلهُ إلا من رحم ربي ، فلا نكترث لما يُقال في الجهر وفي الخفاء ، وقد تعوَّدنا منذ الأزل في عالم الخطابات والتصريحات السياسية للنافذين ،

على التباري في عقد المؤتمرات والمنتديات وجلسات الونسة العادية لتفسير وتحليل و(فك ألغاز) ودهاليز ما يتم ( قذفهُ) في الهواء الطلق من تُرهات وأوهام وكلمات وأفكار لا علاقة لها بالمواضيع التي نُصب من أجلها المنبر ، وأحياناً لا علاقة لها بالواقع ولا الوقائع ولا حتى المُسلَّمات التي يُعتبر الجِدال حولها نوعاً من الجنون.فعلى سبيل المثال لو تمَعَّنا في خطاب الفريق أول ركن / عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد الأعلى للقوات المسلحة الذي ألقاهُ أمس بسلاح المُدرعات عقب المحاولة الإنقلابية الفلولية الفاشلة ، لوجدنا فيه الكثير من الأخطاء التي تمثل إشارات تُناهض ما يتطلَّبه الموقف من إثبات ولو (صُوري) لتناغُم وتآلف الشقين العسكري والمدني في الحكومة الإنتقالية ، خصوصاً في مجال الإتفاق حول مباديء أساسية لا يمكن أن تكون محل خلاف ، ومن بينها طبعاً الرفض القاطع وغير المشروط للإنقلابات العسكرية ، وذلك وفق تبريرات بسيطة وغير قابلة للمُتاجرة والتسويف والمُزايدة ومن أهمها كون الإنقلابات أصبحت عبر المنظور الجديد لما بعد ديسمبر المجيدة (مُناهضة) صريحة لإرادة الشعب السوداني التي دفعتهُ لكل تلك التضحيات الجسيمة التي حقَّقت إنتصارهُ في ديسمبر المجيدة ، ومن بينها أيضاً النأي بالبلاد من الوقوع مرةً أخرى في (شرك) المقاطعة الدولية والإقليمية والعقوبات الإقتصادية التي ستكون بالتأكيد ردة فعل عملية وواقعية لكافة القوى الدولية والإقليمية التي طالما أعلنت ثم باشرت دعمها لمسيرة الإنتقال الديموقراطي ، كل تلك الإشارات الآنفة مطلوبة بالضرورة في خطاب رأس الدولة عقب إنقلاب حاول مرتكبوه تغيير مسار إرادة الشعب عبر تقويض رغبته في حكم ديموقراطي و(مدني) يكون فيه الجيش السوداني الموحَّد مهني النزعة وفي حدود مهامه الدفاعية والإستراتيجية ، وبعيداً كل البُعد عن منصة الحُكم السياسي ، يقول البرهان في خطابه الهُتافي المُرتجل وبالنص (القوات دي هي البتحمي التغيير وهي البتسوقو سواقه ومحل ما دايره تودَّيهو) ، وأنا من هذا المنبر أقول أن جيش السودان الموحَّد و(المُطهَّر) من الخونة وأصحاب الأجندات السياسية ، من واجبه (الحتمي) أن يحمي إرادة الشعب السوداني لأن الجيش لم يوجد إلا لأجل الشعب ، أما التغيير والإنتقال فلن يُساق إلا عبر (عرَّابي) السياسة من المدنيين ووفق ما تُمليه عليهُم إرادة الشعب السوداني ، وليس لأحدٍ مهما علا شأنهُ أن يعتقد أن هذا الإنتقال وهذا التغيير (مُنساق) إلى وجهة غير معلومة مثل (دمية) مُستسلمة لمن بيده السلطة والقوة (عشان يوديها محل ما دايِّر يوديها) ، هذه المسيرة المباركة يا سعادة الفريق تعرف على أيي طريقٍ تسير وأين ستحُط رحالها.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.