في مشهد يحمل رمزية عميقة وسط الخراب الذي خلّفته الحرب، أجرى رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، زيارة تفقدية إلى المتحف القومي السوداني بوسط الخرطوم، للوقوف ميدانيًا على حجم الدمار الذي طال أحد أهم معالم الهوية السودانية، بعد شهور من الانفلات الأمني والصراع المسلح.
الزيارة جاءت في وقت حساس يشهد فيه السودان تهديدات متزايدة لتراثه الثقافي، حيث أظهرت التقديرات الأولية فقدان عدد من القطع الأثرية النادرة، إلى جانب أضرار جسيمة طالت مرافق المتحف بسبب غياب الحماية خلال الأحداث الأخيرة.
وخلال جولته داخل أروقة المتحف، أصدر البرهان توجيهات عاجلة بتكثيف عمليات التوثيق، وتسريع جهود الترميم، واستعادة ما يمكن استرداده من الآثار المنهوبة، مؤكدًا أن حماية الإرث التاريخي ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل واجب جماعي يمس ضمير الأمة بأكملها.
وقال البرهان في تصريحات من داخل المتحف: “حماية التاريخ ليست رفاهية ثقافية، بل ركيزة لوحدة الوطن وذاكرته الحية”، داعيًا إلى شراكة فاعلة بين الدولة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية لحماية ما تبقى من كنوز السودان الحضارية.
وتُعد هذه الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول رفيع منذ اندلاع الصراع، وتحمل في طياتها رسالة سياسية واضحة: أن الثقافة والتاريخ ليستا خارج معادلة الصراع، بل في صميمه.
ويُعد متحف السودان القومي خزينة حية لحضارات امتدت من نبتة ومروي إلى الممالك النوبية والمسيحية والإسلامية، ويختزل تنوعًا ثقافيًا نادرًا يعكس ثراء السودان التاريخي وتعدده الحضاري.
أما اليوم، فإن أروقته التي كانت تنبض بالحياة، تقف شاهدة على هشاشة الواقع وصمود الذاكرة في وجه النسيان.
وختم البرهان زيارته بالتشديد على ضرورة توثيق كل ما فُقد وتعرض للتلف، والاستفادة من الدعم الدولي لإعادة إحياء هذا المعلم الوطني، باعتباره رمزًا جامعًا للهوية، لا يمكن السماح بانهياره مهما كانت الظروف.