امواج نيوز

عثمان ميرغني يكتب : كفاية الانقسام في وسائل التواصل الاجتماعي

مناسبة ذكرى الإطاحة بالنظام الديكتاتوري تثير الانقسام في وسائل التواصل الاجتماعي

مقالات _ امواج نيوز _ في 11 أبريل 2019، احتفل الشعب السوداني بذكرى الإطاحة بالنظام الديكتاتوري، إلا أن هذه الذكرى لم تمر على وسائل التواصل الاجتماعي دون أن تثير الانقسام بين مؤيدين ومعارضين للوضع الراهن. ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن الثورة السودانية لم تحقق أهدافها وأن البلاد أصبحت في وضعٍ أسوأ بعد التغيير، يتبنى آخرون وجهة نظر مختلفة، معتبرين أن الوضع الحالي هو نتيجة حتمية لما يصفونه بـ “إجهاض الثورة” وتعاون بعض الأطراف مع النظام المخلوع لاستعادة السلطة.

من جانب، استعرضت بعض الأصوات المتصدية لمشهد البلاد اليوم كيف كانت الحال قبل التغيير، عندما كانت البلاد تحكمها سلطة مركزية ذات مؤسسات، رغم ضعفها النسبي. ومنذ الإطاحة بالنظام، يشهد الوطن حالة من الارتباك السياسي والاجتماعي، حيث تسود الأهواء وتزداد الصراعات الداخلية بين الأطراف المختلفة. وكثيرًا ما يُستشعر الشعور بالخيبة بعد أن كان يُنتظر أن تكون الثورة بداية لبناء وطن جديد ومزدهر.

في المقابل، يُحمّل البعض المكون العسكري مسؤولية الأوضاع الحالية، مشيرين إلى شراكتهم في السلطة كسبب رئيسي لتراجع الثورة. ويرون أن هذا التراجع كان مدفوعًا بما يسمى بـ “اختطاف الثورة” من قبل هؤلاء العسكريين وبعض القوى المدنية التي عملت، حسب رأيهم، على استعادة النظام المخلوع واستمرار الوضع القديم في بعض جوانبه.

ورغم هذه الخلافات العميقة، كان من الممكن استيعاب هذه الآراء المتناقضة إذا كان هناك حوار موضوعي يبحث في كيفية إيجاد حلول للمشاكل الراهنة. لكن للأسف، تحول النقاش إلى هياج، حيث يسود الانفعال والسباب بين الأطراف المختلفة. هذا الوضع يجعل الحوار البناء أمرًا صعبًا، إذ لا يسعى الكثيرون إلى إيجاد حلول وسط أو نقاط اتفاق، بل يركزون على إثبات الذات عبر التشهير بالآخر.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن البعض من المفترض أنهم حملة الوعي والاستنارة أصبحوا جزءًا من هذا الخطاب المليء بالكراهية والانقسام. هؤلاء هم الذين كان ينبغي عليهم أن يتخذوا من العلم والتجربة زادًا للابتعاد عن هذه الفوضى الفكرية والعودة إلى خطاب العقل والوئام. في الوقت نفسه، يزداد الشك في قدرة البلاد على تجاوز هذه الأزمة إذا استمر هذا التشتت في الخطاب السياسي والاجتماعي.

وبينما يرى البعض أن الكارثة التي شهدها السودان في صباح السبت 15 أبريل 2023 كانت كفيلة بإعادة الجميع إلى صوابهم، يؤكد هؤلاء أن الوطن بأسره سيشترك في تبعات هذه الأزمة. فالتحولات التي مر بها السودان، وانعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي، تُهدد بمستقبل غامض. ولا يقتصر الأمر على مواقف السياسيين، بل يشمل المجتمع بأسره، حيث بات من الواضح أن الأزمات التي تعصف بالبلاد قد تعيدها إلى الوراء عدة سنوات، بل ربما عدة عقود.

المؤسف أن تلك النقاشات الحادة تبقى بعيدة عن الهدف الأساسي وهو إيجاد حلول لأزمات البلاد. فالمواطن السوداني يتطلع إلى تجنب مزيد من التدهور في الأوضاع السياسية والاقتصادية، بدلاً من الوقوع في صراع مرير لا ينتهي بين الفرقاء السياسيين. والمجتمع بحاجة ماسة إلى تجنب التمترس وراء المواقف المتصلبة، وإلى خطاب يتسم بالتوازن والاعتدال.

وفي هذا السياق، تبقى أهمية العودة إلى “خطاب الوئام” قائمة كطريق أساسي لتجاوز المأزق الراهن. لا يمكن أن يُعتمد على الكراهية والمكايدة السياسية كأساس للبناء. لا بد من أن ينظر الجميع إلى المستقبل بعيون منفتحة، بعيدًا عن الأحقاد والشماتة، وأن يكون الهدف الأساسي هو استعادة الوحدة الوطنية والعمل المشترك من أجل بناء سودان مزدهر وآمن.

في الختام، يشير البعض إلى أن استعادة التوازن السياسي والاجتماعي في البلاد يتطلب من الجميع التكاتف والعمل سوياً من أجل المصلحة العليا للوطن، وليس من أجل الانتصار للأفراد أو الجماعات. ويُختتم هذا التحليل بأن ما يواجهه السودان من تحديات اليوم هو اختبار حقيقي لمدى قدرة الشعب السوداني على التغلب على هذه الصراعات والانقسامات، والانتقال إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والبناء.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.